تدرك إسرائيل، وبالذات متطرفوها، بأن مدينة القدس هي أحد أبرز عناوين القضية الفلسطينية، وأن المسجد الأقصى يمثل رمزا مركزيا للمقدسات الإسلامية، لذا لربما يجري العمل على محاولة حرق وتدمير الأقصى وإقامة الهيكل على أنقاضه. وفي تقرير إسرائيلي أخير، ورد أن هناك (25) جماعة يهودية متطرفة تسعى إلى ذلك. وإذا أضفنا ما تتعرض له القدس من مخطط إسرائيلي يعمل على تهويدها في ظل انقسام فلسطيني بات سخيفا حقا، نلاحظ قرب ابتلاع الاحتلال الإسرائيلي للمدينة في أكبر عملية تهويد لها منذ العام 1967، حيث قامت إسرائيل، ولا زالت، بانتهاج سياسة التغيير الديموغرافي لمدينة القدس، ضمن خطة تهدف إلى خلق واقع جديد عن طريق "تجميد" الوجود الفلسطيني في المدينة والسعي للقضاء عليه بصورة تدريجية باستبداله بأغلبية يهودية تجهد لتجذيرها في القدس.
لقد اتبعت الحكومات الإسرائيلية في المدينة المقدسة سياسة التطويق "الاستيطاني" والسكاني والاقتصادي، بالتوازي مع محاولة إبادة أو تقليص الوجود العربي الفلسطيني بشتى الوسائل. وما تشهده القدس يؤكد خطورة وكارثية سياسة "التدمير الهادىء"، لكن المثابر، للبيوت والأحياء والمواقع العربية في المدينة ومحيطها.
لا يختلف اثنان على أن الاحتلال الإسرائيلي لن يتوقف عن الاستمرار في مخطط تهويد القدس، ولن يهدأ له بال حتى يحولها إلى منطقة يهودية على حساب الوجود الإسلامي والمسيحي العربي، بل لا يختلف اثنان على ان الاحتلال مطمئن في مسعاه التهويدي للقدس. لذا فان النكبة الكبرى للشعب الفلسطيني اليوم هي تهويد القدس بعد أن جعلتها إسرائيل حربا دينية حضارية، أثرية، تاريخية، جغرافية، تعليمية، اجتماعية، أخلاقية، أي حربا شاملة.
وفي ظل سياسة التهويد تواصل إسرائيل مخططها المتمثل في عمليات البحث والتنقيب والحفريات بشكل ممنهح ومدروس أسفل ومحاذاة المسجد الأقصى. فقد كشفت "مؤسسة الأقصى للوقف والتراث" مؤخرا أن إسرائيل، وتحت ستار إنجاز شبكة الأنفاق في الأحياء العربية في القدس، تقوم بشق نفق آخر خطير تحت بلدة سلوان، غربي مسجد عين سلوان، وصل طوله حتى الآن إلى أكثر من 120 مترا، وبعرض 1،5 متر وبارتفاع 3 أمتار، يسير شمالا نحو المسجد الأقصى، ما يضعف أساسات بيت المقدس حتى يتهاوى.
ما سبق ليس بالجديد على أي عربي، ولكن ألا تستحق القدس حشد الطاقات والإمكانيات التي شهدتها مباراة كرة القدم بين مصر والجزائر؟! ألا تستحق القدس أن يجير الاعلام العربي لها على مدى أسبوعين فقط، كما جير لمباراة مصر والجزائر؟! ألا تستحق القدس التي استثنيت من (تجميد الاستيطان المؤقت) أن "تلعلع" تصريحات بعض القادة العرب مستنكرة الموقف الاسرائيلي من ذلك الاستثناء بدل ان "تلعلع" مطالبة بهدر دم الاخر وقطع العلاقات الدبلوماسية معه بسبب كرة القدم؟! ألا تستحق القدس ما طالب بها الدكتور حسن خاطر (الأمين العام للهيئة الإسلامية المسيحية للدفاع عن القدس) حين دعا الشعوب العربية والإسلامية بالتفكير بعقد "توأمة" بين الأقصى والقدس وبين كرة القدم؟! ألا تستحق القدس شحن المشاعر وتأجيجها، كما يحدث قبل أن يلتقي فريق عربي في مباراة كرة قدم مع فريق عربي آخر فتشحن الصحف والفضائيات والفنانون والأحزاب والنواب وكأنما هؤلاء وهؤلاء ذاهبون الى حرب مصيرية؟! ألا تستحق القدس مظاهرات تسير لأجلها، فيما العرب من أجل مباراة كرة قدم يحتشدون وتتدفق الجماهير رجالا ونساء مستقلين السيارات والشاحنات والباصات والطائرات؟! وأخيرا ألا تستحق القدس معركة كرامة خالصة، فيما مباراة كرة قدم تتلبس الجميع روح داحس والغبراء؟!
لقد أثبتت الامة العربية، كما قال الدكتور خاطر، أنها "لم تمت وأن الحديث عن عدم مبالاتها غير صحيح"، فقد كشفت مباراة مصر والجزائر "عن طاقات وإمكانيات وأحداث وصور هائلة ومذهلة، لكن في الاتجاه المعاكس والبعيد عن قضايا الأمة وهمومها الحقيقية"!
ويضيف: "ونحن نشاهد اللاعبين وهم يطاردون الكرة ونرى حجم الهيجان الهستيري في وسط الجماهير المحتشدة كلما ركلها احد الفريقين باتجاه مرمى الفريق الآخر، لا نستطيع إلا أن نتذكر المباراة الأخرى التي يطارد فيها جنود الاحتلال جموع المصلين في ساحات الأقصى، ويلقون القنابل داخل المسجد، وبين أرجل الشيوخ والنساء الذين يشكلون بحق "فريق الأمة" المرابط على مرمى القدس والمقدسات".
وأوضح: "إن هذا التناقض يجعلنا نتساءل عما إذا أضحت مكانة الأقصى والقدس اقل شأنا في وعي الأمة من كرة القدم". وها نحن نتساءل مع الدكتور خاطر "هل يعقل أن كرة القدم أضحت أكبر بكثير في وجدان امتنا من قبة الصخرة؟! وهل أن القدس بكل ما ترمز إليه انكمشت وصغرت ولم تعد ترى "بعين الشعوب المجردة"؟! خاتما: "إننا لا نسخر من احد عندما نطالب شعوبنا وقياداتنا ووسائل إعلامنا وعلمائنا واقتصادينا أن يجسدوا في وجدانهم "توأمة" حقيقية بين الكرة وبين القبلة الأولى ومسرى الرسول ومهد المسيح!!!
لنفترض، أن الامة العربية والاسلامية سمحت لنفسها، بأن تغضب للقدس والأقصى كما تغضب من أجل كرة القدم، وتنفق على القدس كما تنفق على الكرة، وتضحي من اجل القدس كما تضحي من اجل الكرة، وتتحدث عن القدس كما تتحدث عن الكرة، وتهتم بمتابعة ما يجري في القدس كما تهتم بمتابعة ما يجري في الملاعب، فتغلق الأسواق وتخلي الشوارع وتشل الاقتصاد وتمسك الأنفاس... لو أن ذلك يحدث فعلا، والقول هنا للدكتور خاطر، فان "القدس كانت ستتحرر بدون شك، ولم يكن الاحتلال ليجرؤ على أن يفعل شيئا مما يفعله اليوم لتدمير المقدسات وتهويد المدينة وتهجير أهلها"!!
نطالب كما طالب الدكتور خاطر، حين دعا الامة العربية إلى الدخول إلى المباراة الحقيقية التي تلعبها إسرائيل وحدها في القدس، فما يحدث في "زهرة المدائن" وعموم فلسطين هو الذي سيقرر مصير الأمة وليس أقدام اللاعبين وما تتمخض عنه مباريات كرة القدم في المناسبات العربية والدولية.
موضوع: هل اصبحت كرة القدم عربيا اهم من القدس؟! 
24/1/2010, 05:26
